الأرز اللبناني الشامخ تحدّيات ورحلة عبر الزمن

World تراث & تاريخ حضارة سياحة

لبنان، البلد الصغير قلب الشرق الأوسط، يشتهر بتاريخه الغني وتنوع مناظره الطبيعية. وواحدة من أبرز رموزه هي شجرة الأرز المهيبة المعروفة باسم الأرز اللبناني أو “أرز الرب”.

يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على الأهميّة التاريخية لشجرة الأرز، ورحلتها عبر الزمن، والتحديات التي واجهتها على مرّ الزمن ولا سيّما منها البيئية والصحيّة، وعلى بعض المناطق المحميّة في لبنان التي يمكن العثور فيها على هذا النوع من الأشجار، وأهميتها البيئية العامة.

يعود تاريخ غابات الأرز في لبنان إلى آلاف السنين. وتشير الدراسات إلى أن هذه الشجرة كانت منتشرة في جبال لبنان منذ العصر الجليدي الأخير. وكانت الظروف المناخيّة الرطبة آنذاك ملائمة لنموه وانتشاره.

يحتل الأرز اللبناني مكانة خاصة في قلوب اللبنانيين، وكان مرتبطًا بعمق بتاريخ البلاد لآلاف السنوات. يمكن العثور على إشارات إلى الشجرة في النصوص القديمة، بما في ذلك الكتاب المقدس، حيث ذكرت أكثر من سبعين مرة. من الناحية التاريخية، كان يُقدّر خشب الأرز لصلابته، وقد استخدمته مختلف الحضارات في بناء المعابد والقصور والسفن. واستخدمه الفينيقيون، البحارة والتجار المعروفون، في بناء أساطيلهم.

على مرّ القرون، واجه الأرز اللبناني تحدّيات عديدة، سواء كانت بيئية أو تتعلق بالصحة. بالاضافة الى تهديد التصحّر الذي تسببت فيه الأنشطة البشريّة، والّذي كان مهدداً لبقاء هذه الأشجار التاريخيّة المعمّرة الرائعة. مع الاشارة الى أن زيادة الطلب على الخشب، جنباً إلى جنب مع توسع الأراضي الزراعية، أدى إلى انخفاض سريع في غابات الأرز. كما واجهت الشجرة المذكورة التهديد من الآفات والأمراض، مثل “خنفسة قش الأرز” و”عث الأرز”. وتسببت هذه الكائنات الغازية في تدمير مساحات شاسعة من الغابات في لبنان على مر العصور، ما أدى إلى المزيد من تهديد بقاء النوع. وقد تراجعت الغابات من هذا النوع تدريجياً أيضًا بفعل القطع الجائر من قبل الحضارات المتعاقبة. إلى أن تعرضت للتدمير الواسع خلال الحرب العالميّة الأولى عندما قطع العثمانيّون آلاف الأشجار لاستخدامها كوقود للقطارات والمدافع.

بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت جهود واسعة لإعادة تشجير الغابات. وقامت السلطات الفرنسيّة آنذاك بحملات تشجير كبيرة، وإدراكاً لأهمية الحفاظ على هذا الكنز الوطني، اتخذ لبنان خطوات كبيرة لحماية غاباته من الأرز. وحالياً، هناك العديد من المناطق المحميّة في البلاد حيث يمكن العثور على شجرة الأرز اللبناني بدْءًا من غابة أرز بشرّي، الى محميّة حرش اهدن الطبيعيّة، محميّة غابات تنورين، محمية إهمج للأرز اللبناني بالتحديد في منطقة جبل لبنان ومحميّة أرز الباروك الحيوية. وهذه المحميات لا توفر ملاذاً فقط لشجرة الأرز، بل توفر أيضًا بيئة للنباتات والحيوانات المختلفة، مساهمة في التنوع البيولوجي العام في المنطقة. وقد تم تحديد غابات الأرز اللبناني كمناطق محميّة، الامر الّذي شكل لها ضمانة لحفظها، مما سمح للشجرة بالازدهار مرة جديدة.

على الرغم من التحديات، لا يمكن التغاضي عن أهميّة الأرز اللبناني البيئيّة. إذ تساهم جذوره العميقة في منع تعرية التربة، خاصةً في المناطق الجبليّة. ويوفّر الغطاء الكثيف للأغصان بتشكيل الظل وتكوين مناخات محلية تدعم نمو النباتات الأخرى وموطنًا لأنواع كثيرة من الحيوانات، ويساعد على تنظيم درجات الحرارة، مما يقلل من تأثير موجات الحرّ ويحسّن “الميكروكليما” المحليّة. ويساهم الجذر العميق للشجرة في منع تآكل التربة ويحسن من تسرّب المياه، ويقوّي الصحة العامة للنظم البيئية والإنسان معا ويقلل من تغيّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الأرز اللبناني كخزّان طبيعي للكربون، حيث يمتص كمّيات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والملوّثات من الجوّ ويطلق الأكسجين.

كان لشجرة الأرز الحضور البارز في الأدب والشعر والرسم اللبناني. فقد رمزت إلى الشموخ والعراقة والأصالة. وكتب لها العديد من الادباء والشعراء ورسمها كبار الفنانين التشكيليين اللبنانيين واستقطبت عددا من الفنانين الغربيين فرسموها.

في الختام، تظل شجرة الأرز اللبناني، بتاريخها الغني وأهميتها البيئية، رمزًا للصمود والفخر الوطني. على الرغم من التحدّيات التي واجهتها على مرّ القرون، حيث بُذلت الجهود لحماية وحفظ هذه الشجرة الأيقونية. وتستمر غابات الأرز اللبنانية الشامخة في إذهال وإلهام سكان لبنان والزوار من السوّاح على حد سواء، ممثلةً شاهداً على الجمال والأهمية المستدامة للطبيعة. ولكن… لنقم بحفظ هذا التراث الطبيعي للأجيال القادمة.

 

اترك تعليقاً